إلا أن يكون بأرضها!- 17 مايو 2017

صحيفة المدينة

إلا أن يكون بأرضها!- 17 مايو 2017

2021-10-23    471

منذ أيامٍ، زارني نائبُ وزيرِ الشؤون الدينيَّة للتَّعليم بإندونيسيا الدكتور قمر الدين أمين، في مسعى كريمٍ لتوثيقِ صلةِ التَّعليم الدينيِّ في إندونيسيا بمؤسَّسات التَّعليم العالي في المملكة العربيَّة السعوديَّة، ولاسيَّما جامعة أم القرى، التي تحظى بشرف المكان والمكانة.

وأثناء تجاذب أطراف الحديث، فاجأني بسؤال: كم أركان الإسلام؟.

قلتُ متعجِّبًا من سؤاله: خمسة!

قال لي: هل يحتاج الركن الأول (الشهادتان) إلى مكانٍ معيَّن لتأديته؟.

قلت: لا، بل يلفظ بها المسلمُ حيثُ كان.

قال: والركنُ الثاني: الصلاة؟.

قلت: كذلك، وقد جُعلتْ لنا الأرضُ مسجدًا وطهورًا.

قال: وماذا عن الصومِ والزكاة؟.

قلت: كالأركان السابقة ليست مقيَّدةً بمكانٍ.

قال: والحجُّ؟.

قلت: أمَّا هذا فلا يكون إلاَّ هُنا في مكَّة المكرَّمة.

قال: هذا ما أردتُ أنْ أصلَ إليه، أنتم تعيشون وتتعلَّمون وتُعلِّمون في مدينةٍ تختصُّ بكونها المكانَ الوحيدَ الذي يؤدَّى فيه ركنٌ من أركان الإسلام، وليس في الدنيا كلِّها مكانٌ غيرها يفتقرُ المسلمُ للذهاب إليه ليؤدِّي ركنًا من أركان دينه.

تذكَّرتُ وقتهَا أبيات الأمير الصنعانيِّ الشهيرة:

نحجّ لبيت حجه الرسْلُ قبلنا

لنشهد نفعًا في الكتاب وُعدناه

دعانا إليه الله عند بنائه

فقلنا له: لبيك داع أجبناهُ

فلا حجّ إلاَّ أن يكون بأرضِهِ

وقوفٌ وهذا في الصحاحِ رويناهُ

هذه اللفتةُ اللطيفة من معالي نائب الوزير هي واحدةٌ من عشراتِ الشواهدِ التي مرَّت بي على حبِّ المسلمين في أصقاع الأرض لهذه المدينة المقدَّسة، وإدراكهم لمكانتها. وكم من ضيفٍ كريمٍ زار الجامعةَ، فكان لبُّ حديثِهِ التعبيرَ عمَّا يكنُّهُ هو، ويكنُّهُ شعبُهُ من حبٍّ وتقدير لمكَّةَ المكرَّمة، وكذلك لهذه البلاد المباركة: المملكة العربيَّة السعوديَّة.

إنّ المسلمين في كل مكان يحملونَ لهذه البقاعِ الشريفةِ وأهلها مشاعرَ غاليةً عاليةً تضيقُ عنها العباراتُ، وتقصرُ عن شرحِها اللغاتُ. والحقُّ أنَّ هذا يوجبُ علينا معاشرَ المكيِّين مسؤوليَّة عظيمة، تقتضي منَّا أولاً أن نستشعر قيمةَ النعمة التي رزقنا الله إيَّاها بمجاورة البيت الحرام، ثم تقتضي منا أن نقوم بأعباء مسؤليَّاتِ هذا الجوار، من القيام على خدمة ضيوف الرحمن في كل مجالٍ، ليس هذا فحسب، بل إنَّ من واجبات الجوار أن ننهض جميعًا في القيام بالدور الريادي لمكَّة في العالم الإسلاميِّ كلٌّ في مجاله. فمؤسَّسات التعليم الشرعي المكيَّة -على سبيل المثال- عليها مسؤوليَّة مدّ اليدِ بما وسعها لكافةِ مؤسَّسات التعليم الإسلامي في العالم، فمكَّةُ مهبطُ الوحي، ومولدُ المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومنبعُ معارفِ الإسلام وعلومه.

فما أجلَّ النعمةَ على أهل مكَّة، وما أعظم المسؤوليَّة عليهم.


مشاركة :